ثمن الضعف..!!

0
نحن لا نختلف في أن هذه الدنيا دار ابتلاء بالقوة والضعف والخير والشر، لكن الذي نختلف فيه عادة هو الجواب على السؤال التالي: هل احتمالات نجاحنا في ابتلاء الخير والقوة أكبر أو في ابتلاء الشر والضعف؟ وما الذي تؤكده الخبرة البشرية في هذا الشأن؟

لو عدنا إلى النصوص والأقوال المأثورة، فإننا سنجد منها ما يؤكد على إيجابيات امتلاك القوة، ومنها ما يشير إلى إيجابيات الضعف والقِلَّة، ومنها ما يفصِّل، ويشرط على ما نجده في قوله : "نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح".

وهذه مقاربة سريعة في هذه المسألة:1- لو نظرنا في الأدبيات الموروثة عن أسلافنا، فإننا سنجد أن تمجيد الضعف والفقر والانكفاء على الذات هو الذي كان طاغيًا، وقد كان من المشهور لدى الصوفية -مثلاً- أن الذكر والعزلة والصمت والجوع أمور أساسية في حياة الصفوة من المتقين، كما أن الذي كان سائدًا في التربية هو التحفيز على السكون والسلبية وقمع النفس، وليس الحضّ على النمو والفاعلية، وقد نتج عن هذا ميل معظم الناس إلى التشابه ولزوم الحد الأوسط؛ ولهذا فإننا في معظم مراحل التاريخ لم نكن نفعل الأسوأ، كما أننا لم نكن نفعل الأفضل.

2- نحن اليوم في عصر العولمة، والعولمة وضعية كونيَّة تتيح للأقوياء والأغنياء والأفضل تعلمًا والأشد فاعلية أن يستثمروا في الفقراء والأميين والكسالى وكل أصحاب الظروف الصعبة والكفاءات المنخفضة، وهذا يعني أن الضعف يؤهِّل أصحابه ليكونوا مَواطن نفوذ لأصحاب القوة. والحقيقة أن (الضعف) كان على مدار التاريخ يُغري الأقوياء باستغلال المبتلين به..

لكن الوضع اليوم أشد بؤسًا؛ فالمرء حين يكون فقيرًا بين فقراء، وجاهلاً بين جهلة، وفوضويًّا بين فوضويين، فإنه يواجه نصف مشكلة، لكنه سينتظر مشكلة كبرى حين يكون فقيرًا بين أغنياء، أو جاهلاً بين علماء، أو فوضويًّا بين منظمين، إنهم حينذاك سيحلون كل مشكلاتهم على حسابه، وليس في هذا غرابة ما دمنا قد سلمنا بأننا نعيش في عالم تنازع البقاء.

3- قالت العرب قديمًا: "المحاصَر لا يأتي بخير". وهذا المثل يمسّ الضعيف على نحو مباشر؛ لأن الضعف يضع حول صاحبه من الموانع والحواجز، ما يشبه الأسوار العالية التي تحيط بمدينة من المدن؛ ولهذا فإن الضعيف يشعر بأنه مكبَّل ومعزول ومرتبك بسبب عدم قدرته على مواكبة عصره والتعامل مع تحدياته المتوالية. شعور الضعيف بانسداد الآفاق يؤثِّر في حياته وسعادته وإنجازه أكثر من تأثير الحصار على أناسٍ داخل مدينة أو قرية؛ لأن الحصار الروحي والشعوري يُلحق الضرر بالبنية العقلية والنفسية العميقة للإنسان، وحين تصاب البنية يهتز كل شيء.

4- مشكلة الضعيف أنه كثيرًا ما يجد نفسه عاجزًا عن حل مشكلاته الخاصة، وهذا يحوِّله إلى إنسان كلٍّ على مجتمعه؛ حيث إن من سنن الله تعالى في الخلق أن الإنسان حين يعجز عن تدبير شأنه الخاص، يتحول هو نفسه إلى مُشكلٍ اجتماعي، وهذا ما نلمسه في حياة الكثيرين. 

5- إن من الملاحظ أن الإنسان لا يفكر -غالبًا- في العطاء ومساعدة الآخرين إلا إذا كان في حالة حسنة من القوة والاستغناء، ومن سنن الله في الخلق أن الضعيف والفقير ومن يملك ذكاءً أقل من المتوسط... يظل ينتظر المعونة من الآخرين، وهذه مسألة مهمة؛ حيث إن معظم المجتمعات الإسلامية ضعيفة، ولهذا فإن الذين ينتظرون من أبنائها المساعدة كثيرون، على حين أن الذين يستطيعون تقديمها قليلون، وهذا أحد أسرار ضعف الأعمال الخيرية لدينا.

6- من المهم أن ندرك أن السبب الرئيسي لضعف الأفراد والأمم هو سبب ذاتي، يتمحور حول المعطيات التي تشكل حياتنا الخاصة والعامة، وتظل مساهمة الآخرين في تقدمنا وتخلفنا على كل المستويات، مساهمة هامشية ومحدودة، وهذا ما نفهمه من قول الله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]، وقوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].

السبب الأساسي في ضعف الأفراد لا يعود إلى تواضع المواهب والقدرات، وإنما يعود إلى ضعف الإرادات واضطراب الرؤية للذات والمحيط، أما الأمم والشعوب والمؤسسات والهيئات.. فإن مشكلاتها الأساسية لا تكمن في شح الموارد والإمكانات، وإنما في سوء إدارتها والفساد الذي ينخر في عظامها.. 

بالإرادة الصلبة، والرؤية الواضحة، وبالنزاهة، وبالشفافية والإبداع في إدارة ما هو متوفر من معطيات يتحول الضعفاء إلى أقوياء، وينتقل الناس من حال إلى حال. ولله الأمر من قبل ومن بعد.




0 التعليقات:

تلاوة رائعه جدا

0

0 التعليقات:

فصول مطوية من التاريخ الإرهابي الصهيوني

0

لا حصر لكم الوثائق الإسرائيلية والبريطانية وغيرها المكتنزة وغير المسموح بالإفراج عنها إلا بالقطارة وبعد مضي عقود من الزمن عليها, وقد أفرجت السلطات البريطانية في الآونة الأخيرة عن مثل هذه الوثائق التي توثق لنا ذلك الإرهاب الصهيوني المؤسسي المنهجي الراسخ منذ بدايات نشوء الحركة الصهيونية مروراً بجرائمها المقترفة قبيل وخلال وبعد حرب 48 وصولاً إلى الراهن الفلسطيني.

فقد كشفت وثيقة في بريطانيا تعود إلى الأربعينيات من القرن الماضي معلومات جديدة عن العمليات الإرهابية التي كانت تنفذها العصابات الصهيونية, بما فيها على قوات الانتداب البريطاني في فلسطين, لكن الأمر المثير هو تعاطي الصحافة البريطانية مع نشر الوثيقة, إذ وصفت الصهاينة الذين قاموا بتلك العمليات بـ"رجال مقاومة الاحتلال البريطاني, الأمر الذي دفع خبيراً بريطانياً للقول: "إن هذه الوثيقة تثير السؤال حول الإرهاب والمقاومة والاحتلال", مشيراً إلى ما يجري في فلسطين والشرق الأوسط عموماً, وما جرى في أيرلندا الشمالية سابقاً.

وجاء في الخبر البريطاني أنه "من خلال الوثيقة يمكن للعالم أن يتأكد من حقائق الإرهاب الذي شنته العصابات والمنظمات الإرهابية الصهيونية في فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني, وعلى رأسها عصابة" أرجون" التي كان يرأسها مناحيم بيغن الذي أصبح عام 1977 رئيساً للوزراء في إسرائيل", وذكرت صحيفة التايمز البريطانية "أن الوثيقة كانت عبارة عن كتيب يتضمن منشورات تحذيرية من العصابات الإرهابية الصهيونية إلى البريطانيين, لكي ينسحبوا من فلسطين وإلا فإنهم سيواجهون الموت والدمار", وتنوه المطبوعة بأن هذه المنشورات "ليست جزءاً من حملة دعائية لتنظيم "القاعدة" أو لجيش المهدي في العراق", لكنها ترجع إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي خلال تصاعد العمليات الإرهابية الصهيونية في فلسطين, وتم العثور على هذه الوثيقة في إحدى صالات المزادات.

وتعيد المطبوعة إلى الأذهان الفظائع والأعمال الإرهابية التي ارتكبتها المنظمات الإرهابية الصهيونية آنذاك, إلا أن هناك نبرة تحيز واضحة, حيث إن "التايمز" تطلق عليهم اسم "رجال المقاومة اليهود".

ومن بين تلك الهجمات الإرهابية كما تذكر الصحيفة استهداف مقر الاحتلال البريطاني في القدس وهو فندق الملك داود مما أدى إلى مصرع 91 شخصاً وجرح المئات.

وقبل ذلك بشهور قليلة" أطلقت السلطات البريطانية سراح مئات الوثائق السرية من ملفات الاستخبارات المتعلقة بـ: الإرهابي الفلسطيني- كما سموه في ذلك الوقت رقم -1- وكان آنذاك مناحيم بيغن الذي حمل اسم يعقوب حيروتي", وجاء في الوثائق "إن بيغن الإرهابي رقم -1- مطلوب للعدالة بتهمة التآمر لاغتيال وزير الخارجية البريطاني ارنست بوين", والأهم أن الوثائق أكدت: "أن الخروج الجماعي لمئات آلاف اللاجئين العرب كان بالأساس بسبب الإرهاب المنهجي لمنظمة اتسل بزعامة بيغن بالتعاون مع منظمة ليحي - التي كان يتزعمها شامير"....?!!!!.

وفي السياق لعل من أهم الوثائق والشهادات التي تفضح سجل إرهابهم هي تلك ( الوثائق )  الصهيونية – الإسرائيلية التي أخذت تلك الدولة تفرج عنها أو عن بعضها, أو أخذ عدد من باحثيهم ومؤرخيهم أيضاً يكشف النقاب عن بعضها.

وفي هذا السياق كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية عن مخططات إسرائيلية لارتكاب جرائم بحق البشرية استعد لتنفيذها قادة إسرائيليون على الفلسطينيين والسوريين في الخمسينيات من القرن الماضي.

واستند توم سيغف المحلل في صحيفة "هآرتس العبرية في تقرير له بعنوان: "الخطط المريعة للافون: إرهاب في سورية وغزة كي تكون أجواء احتفالية", على مقتطفات من مذكرات رئيس الوزراء الأسبق موشي شاريت تفيد بـ "أن زميله وزير الحرب بنحاس لافون أصدر أوامر بنشر بكتيريا سامة في قطاع غزة وسورية", إلا "أن مخططه رفض من جانب القادة العسكريين".

وكان سيغف قد نبش فصلاً مطوياً من تاريخ الإرهاب الصهيوني الذي "يحبذون في "إسرائيل" نسيانه"... إنه الإرهاب الصهيوني في العراق منذ سنة1951...

فقد أكد سيغف بالوثائق "أن إسرائيل وقفت وراء الاعتداءات ( التفجيرات ) ضد الكنس اليهودية في العراق من أجل إجبار اليهود على الرحيل إلى إسرائيل " عن الصحف العبرية"..

وكشف رافي ايتان المسؤول الكبير في الموساد الإسرائيلي سابقا النقاب عن "أن إسرائيل نفذت عمليات اغتيال ضد علماء ألمان كانوا يساعدون مصر على تطوير صواريخ " عن صحيفة يديعوت".

وكشف رونين برغمان مراسل صحيفة يديعوت للشؤون الاستخبارية والاستراتيجية النقاب أيضاً عن "أن إسرائيل كانت بادرت - في حينه - إلى إنشاء شركة طيران (...) لإدخال جواسيسها إلى مصر "يديعوت" و"أن العملية تمت بإشراف الوزير الإسرائيلي السابق وعالم الفيزياء النووية يوفال نئمان"...

وبينما كشف كتاب إسرائيلي أصدره الصحافي "أهارون كلاين" النقاب أيضاً عن "أن الموساد هو الذي اغتال وديع حداد في العراق عام 1978 " أكد الخبير الألماني في عالم الجريمة "يورغن كاين" "أن الموساد يقف أيضاً وراء اغتيال رفيق الحريري وجاء ذلك في كتابه الجديد الأدلة المغيبة في ملف التحقيق في جريمة اغتيال الحريري".

لا شك أن هذه الوثائق التي يفرج عنها تباعاً ولو متأخراً جداً... جداً  منها ما هو بعد نحو ستين عاماً على مطاردة بيغن - ومنها ما هو بعد عقد أو عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن.. إنما تنطوي اليوم أيضاً على أهمية أخلاقية عالية جداً, ذلك أنها تحاكم أولاً الإرهاب الصهيوني على عرب فلسطين بأثر رجعي, كما تفتح للعالم مجدداً ملف ذلك الإرهاب المستمر منذ ذلك الوقت حتى اليوم, متوجاً بالحروب المفتوحة التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العرب اليوم الأردنية

المصدر
 

0 التعليقات: