صامت لو تكلما

0


0 التعليقات:

الشيخ أ. د

0


"الألقاب حبوب نتعاطاها لتسمين ذواتنا " (د. أحمد الصقر).
قلت مرة لصديق: مرحباً دكتور.
أجاب: لست بدكتور، أنا فلان.
لقد أحسّ أن اللقب يحجب ذاته، وأراد أن يعرفه الآخرون بدون إضافات.
صافحت مرة رجلاً كفيفاً في مطلع شبيبتي، فسألني مَنْ؟ فأجبته: الشيخ فلان!
انزلق على لساني اللفظ الذي أسمعه من المقربين، وشعرت لحظتها بالخجل والحرج، فأن يسميك من حولك فهذا شأنهم، ولو لم تكن جديراً به، لكن الشأن كيف تعبر به عن نفسك؟

كتبت وأنا شاب "حوار هادئ مع محمد الغزالي" وطبعه بعض الأصدقاء، وكتبوا أمام اسمي بالخط العريض "الشيخ"، بينما لم يحصل الشيخ محمد الغزالي -على سنه وفضله وسابقته- على هذا اللقب في غلاف الكتاب، وكثيرون لا يدرون أني لم أطَّلع على غلاف الكتاب إلا بعدما تمت الطباعة!
قد يطلق الإنسان لقباً وظيفيّاً كالوزير والمدير والمشرف مما تقتضيه الحاجة، ويعد جزءاً من تحمل المسؤولية، لكن ما الداعي لأن يضيف: سماحة، أو معالي، أو فخامة، أو فضيلة، أو سعادة..؟
أو أن يحاسب الآخرين حينما يخلّون بهذا البروتوكول المملّ الذي يستنزف الأوقات، ويثقل الأسماع، ويفسد الأذواق، خاصة إذا تكرر، أو تجاوز حدّه، أو منح لمن لا يستحقه؟

بعضهم يصر على لقب قد تجرد منه، ويذيله بلفظ "سابقاً"، أو "سابق"، وكأنه يحكي مجده الماضي.
بعض التعريفات المتبوعة بـ "سابق" تبدو وكأنها محاصرة لصاحبها في دائرة الماضي، وحكم عليه بـ "المؤبد"!
"أمير سابق لجماعة عنيفة"، "صحوي سابق".

يشتكي الطلبة من "الاستبداد الأكاديمي" في الجامعات، إنها الفجوة والجفوة بينهم وبين بعض الدكاترة.

مؤلم أن تسمع عن مديري جامعات وعلماء أفذاذ في الغرب، يجلسون في المقهى مع الطلاب بعفوية، ويستمعون إليهم، ويتعرضون لإحراجات، ومَن لا يعرفهم لا يتوقع أنهم في أعلى السلم، بينما يسرع الغرور لحديث عهد بعمادة أو إدارة!
التواضع هو السمة الأهم للعالم الحق:
وكلما ازددت علماً ... ازددت علماً بجهلي
ليس يعاب الإنسان باللقب العلمي ما دام صادقاً وغير مزور، ولم يتحول إلى ادعاء أو تضخيم أو امتحان للآخرين، على أن القيمة الحقيقية ليست في الشهادة، بل بالمعرفة والأخلاق، والاعتراف بفضل الآخرين وسبقهم.
كان الأنبياء يبشرون بنبي يأتي بعدهم هو أفضل منهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، اعترافٌ بالفضل يدلّ على الفضل.
أجمل ما يكون اسمك حين تراه جملة تامة، غير محتاجة إلى تكميل.
 

0 التعليقات:

هكذا يفعل الحب

0


حب المسلم لدينه ولدعوته أحيانا يفوق الوصف ويتخطى الخيال، وقد قرأنا في سيرة الصحابة والسابقين حكايا مبهرة، وقصصا تفوق في واقعيتها الخيال، وما زالت الأيام تحمل لنا عجائب وغرائب.. لا يمكن أن يصدقها إلا من عرف معنى الحب.
وقول القائل: "حبك الشيء يعمي ويصم"، فيه كثير من الحقيقة بل هو فعلا حقيقة.. فالحب الحقيقي ينسي الإنسان الجوع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني).. وينسي الإنسان الألم، كما كان بلال يعذب ويستعذب قولته: أحد أحد.. وينسي الإنسان نفسه فيسترخصها في جنب من يحب، كما في قول خبيب بن عدي رضي الله عنه، وينسي الإنسان أهله وزوجه ووالده وولده، كما قالت المرأة وقد قتل أبوها وأخوها وزوجها في يوم أحد: "كل مصيبة بعدك يارسول الله جلل". أي حقيرة صغيرة هينة.. وهذا باب يصعب تقصيه.
فإذا جمع الإنسان مع الحب الصدق همة عالية بلغ الثريا وطاول الجوزاء، وسبق سبقا بعيدا.. وهذا ما فعله هذا الشاب صغير السن رفيع القدر عظيم الهمة.
قصة عجيبةقصته قرأتها قديما وقد ذكرها بعض الدعاة فاسمعه وهو يحكيها بنفسه يقول:
ذهبت إلى دولة السويد في شهر رمضان.. كنت في رحلة دعوية لإلقاء بعض المحاضرات..
دعاني بعض الأخوة في أحد المراكز الإسلامية للقاء عدد من الشباب السويديين المسلمين..
دخلت المركز بعد الظهر.. فإذا هم مجتمعون في حلقة ينتظرون.. كانوا جالسين على الأرض..
لفت نظري غلام لم يتعدَّ عمره خمس عشرة سنة.. اسمه محمد.. جنسيته سويدي.. لكنه من أصل صومالي..
رأيته مقعداً على كرسي متحرك.. وقد ربطت يداه في جانبي الكرسي لأنها تنتفض بشكل دائم ولا يملك التحكم فيها.. وهو إلى ذلك كله لا يتكلم.. ورأسه ينتفض أيضاً طوال الوقت.

أشفقت عليه لما رأيته.. اقتربتُ منه.. فهشّ في وجهي وبدأ يتبسم وينظر إليَّ ويودّ لو كان يستطيع أن يقوم..
سلمتُ عليه فإذا هو لا يفهم العربية لكنه يتكلم الإنجليزية والسويدية بطلاقة.. إضافة إلى اللغة الصومالية..

بدأت أحدّثه عن المرض وفضله وعِظم أجر المريض.. وهو يهزّ رأسه موافقاً..
لاحظتُ أن أمامه لوحاً صغيراً قد علّق عليه ورقة فيها مربعات صغيرة وفي كل مربع جملة مفيدة: شكراً.. أنا جائع.. لا أستطيع.. اتصل بصديقي.. الخ.. فتعجبتُ من هذه الورقة.. فأخبرني أحد الحاضرين أن هذا الغلام إذا أراد الكلام ركبوا على رأسه حلقة دائرية يمتدّ منها عصا صغيرة، فيحرك رأسه بين هذه المربعات حتى يضع طرف العصا على المربع المطلوب فيفهمون منه ما يريد..!! وهذه هي الطريقة الوحيدة للتفاهم معه.. فهو لا يتكلم.. ولا يتحكم بحركة يديه..

تكلمت معه عن فضل الله علينا بهذا الدين.. وأن المرء إذا وفق للإسلام فلا عليه ما فاته من الدنيا.. فاكتشفتُ أن محمداً هذا من أكبر الدعاة.. كيف؟!! أنا أخبرك بذلك:

وزارة الشئون الاجتماعية السويدية قد خصصت له رجلين موظفَين يأتيان لخدمته في الصباح.. واثنين يأتيانه في المساء..
فإذا جاءه رجل غير مُسلم.. طلب منه عن طريق الإشارة على هذه الورقة أن يتصل بصديقه فلان.. فإذا اتصل هذا الموظف بالصديق، طلب منه محمد أن يسأل صديقه: ما هو الإسلام؟
فيجيب الصديق على السؤال.. فيحفظه الموظف ثم يشرحه لمحمد..
ثم يطلب محمد من الموظف أن يسأل الصديق عن الفرق بين الإسلام والنصرانية؟..
فيجيب عن ذلك..
ثم يطلب منه أن يسأل عن حال المسلم وغير المسلم يوم القيامة؟ فيجيب الصديق ويشرح الموظف..

حتى إذا فهم الموظف الكلام كله أشار له محمد إلى درج المكتب فيفتحه.. فيجد فيه كتباً في الدعوة إلى الإسلام.. فيأخذ منها ويقرأ..
وقد تأثر بسبب ذلك أشخاص كثيرون..

فلله درُّ محمد ما أكبر همّته.. لم يقعده المرض عن الدعوة.. بل ولا عن البشاشة والسرور..

المصدر





0 التعليقات: